26‏/08‏/2013

لا ينقص الجزائر إلا رجال دولة

الجزائر دولة لا يمكن تجاهل قيمــــتها إلا من قبل مكابر أو جاهل ، فقد باتت بعد تقسيم السودان أكبر الدول العــــربية مساحة ، يعمرها ما يربو على أربعين مليون نسمة ، تقدر مراكز مختصة أن نصف مليون على الأقل يشكلون مادة رمادية متميزة ، نصفه أي 250 ألفا هاجر ليثبت كفاءة عالية وإمكانات استثنائية علمية ومعرفية في كل القطاعات ، ومنها قطاع التكنولوجيا والطاقة ، وكلاهما يشكلان عصب الاقتصاد المعاصر.
كما تتميز الجزائر بطبيعة جغرافية بديعة ، جمع فيها الخالق سبحانه ما تفرق في غيرها، من شواطئ ساحرة تزيد على 1400 كلم طولا (حسب آخر تقرير لوكالة نازا) ، متعددة المناظر، فمنها ذات الخلجان ومنها الصخرية والرملية ، ومنها ما يعانق غابات الصنوبر الحلبي ونخيل كاليفورنيا ؛ هذا الوصف المقتضب ليس لحشو الكلام ، وإنما هو عنوان عريض وقوي لإمكانات سياحية هائلة ، فإذا علمنا أن السياحة في تونس الشقيقة مثلا، يزيد دخلها السنوي لخزينة الدولة على عشرة مليارات دولار، من دون احتساب تشغيل اليد العاملة وسواها، وهي لا تزيد إمكاناتها عن خمس قدرات الجزائر، علمنا أننا نتحدث عن 100 مليار دولار قد تعود على هذا الوطن من الاستثمار السياحي فحسب ، الذي يشكل الشريط الشمالي فقط ، من دون أن نشير إلى جبال تيكجدة المغطاة بشجر الأرز وجبال الونشريس ، وغابات الشريعة والحمامات المعدنية الطبيعية التي تملأ هذه المساحات ، والمغارات العجيبة، سواء في تلمسان أو جيجل أو بجاية مدينة ابن خلدون والبحيرة الفاتنة في أم البواقي؛ وغيرها من المواقع الأثرية الغنية، من تيمقاد إلى قلعة بني حماد إلى القصبة العتيقة في العاصمة، وآثار الرومان في تيبازة وما لا يمكن حصره في مقال. خلاصة القول من دون الحديث عن السهول وصحراء الجزائر التي تستهوي الكثير، يمكن لقطاع السياحة لو استثمر جديا أن يزيد دخله السنوي على 100 مليار دولار بكثير، وهو رقم يكاد يكون ضعف دخلها من البترول والغاز. والحال أن دبي مثلا تهدف لبلوغ 150 مليار دولار بحلول عام 2015 كدخل من النشاط السياحي، وهي التي لا تكاد تقاس إمكانياتها بتلكم التي تتمتع بها الجزائر سعة وتنوعا وجمالا.
فضلا عن هذا تتميز الجزائر بسهوب وسهول شاسعة خصبة، لطالما كانت مطمعا للعدو شمال البحر الأبيض المتوسط ، خاض من أجل احتلالها حروبا طاحنة على امتداد أربعة قرون ، ذلك لمردوديتها الفلاحية ، حتى لقبت الجزائر من أجلها بـ’سلة غذاء’ أوروبا، وهي تعدل كذلك ثلاثة أضعاف مساحة الزراعة في المغرب الشقيق، ما يعني بعملية حسابية ، أن هذا البلد له إمكانات تجاوز الاكتفاء الغذائي إلى مستوى منافسة الإنتاج الأوروبي في عقر داره ، وفي السوق الافريقية وآسيا الوسطى ، خاصة أن لطبيعة هذا البلد الإنتاج الفصلي ، وهو ما يعني إنتاج خضروات في غير فصلها بشكل طبيعي ، مثل الطماطم في أقصى الجنوب وغيرها . وملخص هذه الثروة ، أن الجزائر لها من الإمكانات الفلاحية ما يزيد عن حاجتها الغذائية إلى التصدير، بما لا تقل قيمته عن عشرات المليارات من الدولارات، لو تم فعلا استثمارها بشكل جاد.
موقع الجزائر الجغرافي الاستراتيجي، يمثل بوابة أوروبا على القارة الافريقية ، كما يمثل المعبر الأقرب والأمــــثل لهذه القارة إلى نظيرتها العجوز، ما يعني حتما إمكانية بناء منظومة خدماتيــــة لتنقــــل البضاعة ، تشكل رافعا اقتصاديا في غاية الأهمية ، ولا شك أن دخله بالعملة الصعبة يكون عاملا رئيسا في دفع عجلة النمو الاقتصادي بشكل لافت ، نقول هذا الكلام وبين أعيننا مثل الإمارات العربية التي استثمرت هذا الجانب تحديدا، ليعود بما يزيد عن 75% من مجمل دخلها العام ، فضلا عن البترول طبعا.

هذه بعض من عناوين مقدرات دولة الجزائر، التي تؤكد العلوم الاقتصادية وأبجديات العمليات الحسابية ، أن استثمارها يجعل منها واحدة من أقوى الدول الاقتصادية ، ويمكنها احتلال المراتب الأولى على مصاف الدول المتقدمة من دون نزاع . غير أن واقع الحال يشير مع الأسف الشديد لعكس ذلك تماما ، فقطاع السياحة مجمد بشكل مخيف ، وقطاع الفلاحة متعثر بصورة مشينة ، أما الخدمات فتكاد اصطلاحا تكون منعدمة في قامــوس المسيرين هنا في الجزائر، والواقع المرير يؤكد أن اعتماد هذا البلد اقتصاديا أو بعبارة أصح ماليا يقتصر على البترول والغاز فحسب، ذلك أنهما يمثلان 97% من الدخل العام للدولة ، ليرتفع سؤال جدي مفاده : ما سبب ذلك؟
بكل صراحة وموضوعية ، إذا كان ما سبق ذكره لا يمكن إنكاره علميا ، فلا تفسير لحال الجزائر المتردي ، وتدهور معيشة مواطنيها ، وانكماش قدرتهم الشرائية ، فضلا عن تعطل آلة الإنتاج بشكل لا تخطئه عين بصير، فلا تفسير لهذه الحال في ظل ثروات طائلة وإمكانات هائلة ، إلا لانعدام رجال (دولة) بما تحمله هذه الكلمة من دلالة ومعنى ، يتعاطون بمسؤولية مع ما أنيط بهم ، ويتحملون عن وعي واجباتهم إزاء ما تتطلبه حاجة الوطن والمواطن ، وما تقتضيه متغيرات العصر وتطوراته ؛ هذا الكلام ليس من باب إلقاء التهم جزافا ، أو محاولة لاستفزاز قيادات هذا البلد للفت انتباههم إلى الكاتب ، كما يتوهم بعضهم، بل هو ما سمعته شخصيا من وزير جمعني به لقاء مطول، يتقلد مسؤولية وزارة سيادية ، حين عبر لي بكل وضوح وصراحة عن رأيه بخصوص مقالاتي في صحيفة ‘القدس العربي’، قائلا:’ إن نقدك البناء لا يمكن إلا أن نثمنه ، لكني أشفق عليك حين توجه إلينا الخطاب على أننا رجال دولة ، والحال أننا لسنا كذلك’. صدق معالي الوزير، فهو وزملاؤه من السلطة التنفيذية – وكذلكم التشريعية والقضائية والأمنية- منقطعون عن واقع الوطن والشعب، بل يمكنني القول إنهم يعيشون في الفضاء الخارجي، على هامش التاريخ والجغرافيا والواقع برمته…. ولن تنهض الجزائر إلا برجال دولة بحق.
بقلم : إسماعيل القاسمي الحسني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق